جريدة الشروق - 9/16/2025 9:33:49 AM - GMT (+2 )


أدهم السيد
نشر في:
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 - 10:32 ص
| آخر تحديث:
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 - 10:32 ص
تمر ذكرى استشهاد قائد المقاومة الليبية عمر المختار يوم 16 سبتمبر، إذ بقي مشهد إعدام المختار حاضرًا في تراث الشعب الليبي ومعروفًا بين الشعوب العربية كأشهر مشاهد التضحية التي توجت مسيرة قائد شعبي تحدى الاستعمار الإيطالي بمئات من المقاومين البدو، ليكبد جيش الاستعمار هزائم مدوية على الأرض الليبية تاركًا خلفه قدوة لأجيال المقاومين ضد كل احتلال.
وتسرد جريدة الشروق أهم محطات مسيرة القائد عمر المختار وأشهر معاركه مع الإيطاليين، وقد وردت المعلومات عن رحلة البطل الليبي في كتابي عمر المختار ورجاله لعصام عبد الفتاح، والشيخ الجليل عمر المختار لعلي الصلابي، وموقع الموسوعة العربية.
-نشأة دينية ونبوغ علمي مبكروُلد عمر المختار عام 1862 لأسرة متدينة من قبيلة المنفي، وابتلي في طفولته بفقدان والده، فتربى عند عمه الذي ألحقه بمدرسة القرآن ليتخرج منها ملتحقًا بمعهد الجهبوذ الديني لتلقي علوم الفقه والحديث. لفت نبوغه خلال 8 سنوات من الدراسة أنظار مشايخه من الحركة السنوسية، وخاصة الشيخ محمد مهدي السنوسي الذي قربه منه وجعله مرافقًا في عديد من رحلاته حول البلدان الإفريقية، فازدادت خبراته بمعرفة طبيعة الأرض الصحراوية المعقدة وكيفية التعامل مع القبائل العربية والتنسيق بينها، وهي المهارات التي ستظهر أهميتها لاحقًا في مسيرة المقاومة العسكرية للمختار.
-بين المشيخة وبداية العمل المقاومتنقل المختار بين مراتب المشيخة الدينية للحركة السنوسية حتى استقر شيخًا بمنطقة الجبل الأخضر المعروفة بصعوبة طباع سكانها آنذاك وتمردهم على السلطة العثمانية. لكن المختار تمكن من حل النزاعات بين أهالي المنطقة وتهدئة الوضع فيها لدرجة أثارت إعجاب الحامية العثمانية بالمنطقة، ولم يشغله الدور الإداري عن واجب المقاومة، فشارك بقتال الجيش البريطاني على الحدود المصرية الليبية وخاصة في معركة السلوم، كما شارك بمعارك ضد الاستعمار الفرنسي في تشاد.
-صخرة في وجه الطموحات الاستعمارية للإيطاليينتعرضت ليبيا عام 1911 للغزو الإيطالي بنية الاحتلال والاستفادة من موارد البلاد، فالتحق المختار سريعًا بجهود المقاومة حيث جمع 1000 مقاتل من أبناء الجبل الأخضر لينضم بهم للجيش العثماني دعمًا لصد الجيش الإيطالي عن الأراضي الليبية. لكن رغم الخسائر فإن الإيطاليين تمكنوا من بسط السيطرة على عدد من المدن الليبية، بينما عجزوا عن احتلال برقة حيث يتواجد المختار وعدد من مجموعات المقاومة المختلفة، التي تلقت ضربة معنوية مع رحيل الجيش العثماني وترك المقاتلين الليبيين لمصيرهم.
-ملاحم حروب العصاباتركز المختار على نقطة ضعف الإيطاليين وهي حروب الصحراء غير المألوفة لجيش أوروبي نظامي، فجمع حوله 1000 من المقاتلين متحصنين بالجبل الأخضر، تقوم معظم عملياتهم على استهداف المعسكرات النائية قرب الصحراء حيث يسهل ضربها والفرار قبل وصول الإمدادات. وقد نجحت الخطة في إنهاك الإيطاليين وتعطيل خطوط الإمداد.
وتخللت تلك المرحلة معارك عنيفة من أشهرها معركة يوم الجمعة، حين تصدى المختار بالقرب من مدينة درنة لهجوم إيطالي استمر يومين، تكبد خلاله الإيطاليون 70 قتيلًا، تبعتها عام 1914 معارك شلاضيم وأم شخنب وبو شمال. أما في عام 1923 فقد تعرض المختار لعملية غدر إيطالية حين كمنوا له أثناء عودته من الحدود المصرية بـ٧ مدرعات، تمكن المختار وعدد قليل من مرافقيه من تدمير معظمها وهزيمة الإيطاليين.
بلغت معارك المختار ذروتها عام 1927 مع سعي الإيطاليين لإخضاع الجبل الأخضر وتدمير المعسكرات الثلاثة تحت قيادة المختار. فاشتعلت معركة الرحبة في مارس بتقدم قوة إيطالية من 700 مقاتل بدعم الطيران الحربي الذي فشل رغم تفوقه في رصد القوة الحقيقية للمقاومين، ما تسبب في تسرع الهجوم الإيطالي ثم انتصار المقاومين بعنصر المفاجأة ومقتل نصف القوة الإيطالية بمعركة الرحبة.
عاود الإيطاليون في أبريل من نفس العام مهاجمة مواقع المختار، ليتكبدوا هزيمة إضافية بمعركة أم الشافتير حيث أدى وجود عائلات المقاومين بساحات المعركة لزيادة شراسة المقاومة وصد العدوان الإيطالي.
تسببت انتصارات المختار المتلاحقة في تغيير الإيطاليين أسلوبهم القتالي، فلجأوا إلى سياسة المعسكرات الجماعية لإرهاب السكان المحليين ومنعهم من دعم المقاومة. ومع ذلك أُغلقت الحدود المصرية الليبية بالأسلاك لمنع وصول أي دعم مادي، ونجحت الخطة في إضعاف المقاومة وتراجع عمليات المختار، حتى عُقدت هدنة استمرت فترة قصيرة حتى عام 1931.
-نهاية مشرفة بين قيود الاعتقال ومشنقة الاستعماركانت النهاية البطولية لعمر المختار في سبتمبر 1931 حين توصلت قوة إيطالية إلى موقعه مع عدد قليل من مرافقيه، فتقدم بعض الخونة الليبيين بدعم من الجيش الإيطالي لمباغتة مرافقيه القليلين، ما أسفر عن اعتقاله على يد عميل عربي سلمه للإيطاليين ليعرض على محكمة صورية بتاريخ 15 سبتمبر قضت بإعدامه شنقًا.
وكان المشهد الأخير الذي توج مسيرة المختار حين أجبر الإيطاليون 20 ألفًا من بدو بنغازي على حضور الإعدام الميداني تخويفًا لهم من أي محاولات مقاومة مستقبلية. فامتلأت السماء بالطيران الإيطالي وانتشر الجنود على الأرض متأهبين لإعدام شيخ مقيد بالحديد رغم كبر سنه. تقدم المختار في هدوء مرددًا آيات من القرآن كما روى أحد من حضر الإعدام، ليعلقه الإيطاليون على المشنقة وسط احتجاج وصراخ الحضور وضربات سياط الجنود لكل من اعترض، حيث منع قرار إيطالي أي إظهار للحزن على إعدامه.
إقرأ المزيد